Blogger Widgets

الثلاثاء، 15 يناير 2013

قراء في قصيدة العلوة

Écrit par TAHIR JILLALI   
هي أغنية شعبية جميلة  لطالما تغنى بها الأجداد ولا يزال يرددها الأحفاد من أهل مزاب يفخر وعشق لمحروستهم العلوة. والكلمة في اللغة تعني الهضبة المرتفعة، وفي القصيدة يدل المعنى على الأرض مستقر الأولياء الصالحين،  وترمز إلى  الأم الحانية و مسقط الرأس والهوية التي تحدد  كينونة شعب مزاب. تأخذ القصيدة عند أدائها  بآلة الكنبري من طرف الشيخ أحمد ولد قدور جمالية خاصة  وهو يستهلها بإنشاده:  " ولد بلادي، ناس المحبة شطنو بالي". وأرض العلوة  كفضاء مبجل  تستمد قدسيتها من احتضانها لمرقد الأجداد الصالحين، ولدلك يطلب من كل زائر  أن يطهر قلبه ويكف عن الأذى باللسان  عند الوصول إليها: " آلغادي العلوة، آجي نوصيك بعدا، إيلا لحكتي العلوة، سلم سلم سلم، وفي العلوا لا تتكلم، العلوة ومواليها، والصلاح اللي فيها". هؤلاء  الأولياء الصالحين  يعدون من الأخيار، وهم من  أهل العفة والتسامح، الدين لا يؤدون  البشر، وإنما يتركونه مع ضميره وحسابه مع الله: " لبهالة بحر كبير، لبهالة مجمع الخير، قبة سيدي طلعت، لبهالة كاع تجمعت، الصمعة جات كليلة، المعلم دار حيلة، خليه منو لله".

وبالإضافة إلى مزايا الخير فإن القصيدة تبرز أهل العلوة على أنهم جميعا فرسان شجعان  يجوبون البراري على صهوات الجياد: "هز عينك وشوف، العلوة كاع سيوف". وأثناء غياب هؤلاء الحماة الدين يدودون عن حرمة العلوة وشرفها تبقى الأخيرة وحيدة أمام  المجهول . وفي هده النقطة بالذات،  تبلغ جمالية النص ذروتها عندما تظهر العلوة  في  صورة امرأة  من غير أنيس تحدق بها الأخطار: "العلوة وفين ماليك، العلوة شكون بقا حاضيك، العزري عينو عليك".
والعزري لغة هو الشاب العازب، وهو أيضا الهيكل البارز في أعلى الصومعة، رمز الذكورة والفحولةوالعزري عينو عليك جملة حمالة أوجه، فيخيل لأول وهلة أن المقصود  بها  شاب عازب يريد  سوءا بفتاة حلوة جميلة، وسرعان ما يتضح أنه   ليس غير بويا حجاج، المعصوم من الموبقات، كما يأتي في هده الفقرات:" آلغزري ما يدوز ولادو، بويا حجاج... الفحل بويا حجاج زين السمية.... بويا حجاج السفينة ما تعواج" .  وهنا تبرز العلوة  على أنها الأم الطاهرة  مبعث الحياة والخير والوجود في حراسة  بويا حجاج، داك  المتصوف المتطهر من ادران الدنس، في عالم الطهارة والروح . فالعلوة هي الأرض، وهي  الأم، وفي رحم كل منهما يتحقق الوجودإنها الأرض المحروسة في الدرك الأسفل،  وتقابلها في  الدرك الأعلى العين الساهرة لبويا حجاج، ضمير العلوة، وقبته العالية التي ترمز الى السمو،  حيث تتجه القراءة والدعاء، وحيث الملائكة وأولياء الله المقربون من السماء . وأما سفينة بويا حجاج  التي لا يصيبها اعوجاج  فترمز في المخيال الشعبي إلى  الطريق السوي والخلاص وسط بحر الأمواج،  كما في قصة نوح عليه السلاموالإشارة اللافتة إلى  مسؤولية الأب  في  صون الشرف  والعرض ليس بغريب عن الإبداع الشعبي  في فنون العيطة، ومنه هده الصرخة المدوية  لفتاة  وحيدة  ومتروكة لحالها، على لسان الشيخ محمد باعوت، أحد  رواد الغناء الشعبي بمدينة الدار البيضاء: " آه شكون سبابي؟ آطيور الغابة، كلكم حوامة، لا أمي لا بابا، لا من يسال عليا".
ومقارنة مع القصائد العمراوية لأولاد احريز فإن قصيدة العلوة ترمز عن التحام الإنسان بالأرض. فالعلوة مركز الكون بالنسبة لأهلها ، وهي الموطن والتراب المقدس الممزوج  ببركة الأولياء. وأما عند اولاد حريز فالقصيدة العمراوية  تبدو وكأنها جرح غائر  ينزف من الأعماق، فيها تعبير عن الضيم  والإحساس بالغربة والفراقفالعلوة  عنوانها الاستقرار والأرض بينما العمراوية  عنوانها الروح والشوق وفيها حركة دائمة في الزمان والمكان، نتحسسها  في سفر الحنين المعطر بالانتظار قبل  الترحال وانطلاق المواكب في الفراغ  لمعانقة تراب آخر وسماء أخرى . ومجمل القول فإن قصيدة العلوة أنشودة مرحة  في حضن الأم الحاضرة،  بينما القصيدة العمراوية المؤثرة   لحن شدي بترانيم الناي الحزين للشيخ الموكي،  تتجه إيقاعاته   لمناجاة  الأب الدي يغيب ...
طهير الجيلالي
Copyright © 2011 Template Doctor . Designed by Malith Madushanka - Cool Blogger Tutorials | Code by CBT | Images by by HQ Wallpapers